فصل: 244- باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.كتاب الأذْكَار:

.244- باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَلذِكْرُ الله أكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
أي: ذكر الله أفضل الطاعات.
وقال ابن عباس: يقول ولذكر الله أكبر إذا ذكروه من ذكرهم إياه.
وقال تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمعونتي.
وفي الحديث الصحيح: يقول الله تعالى: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].
قال مجاهد: أَمَرَ أن يذكروه في الصدور، وبالتضرع إليه في الدعاء، والاستكانة، دون رفع الصوت، والصياح بالدعاء.
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون عند الضرب بالسيوف.
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
يخبر الله تعالى أنه هيَّأ لهؤلاء المذكورين مغفرة منه لذنوبهم، وثوابًا عظيمًا، وهو الجنة.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42].
أشار بذلك للآيات بعد الرغبة في الذكر لما اشتملت عليه من صلاة الله وملائكته على الذاكرين، وهي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 43، 44].
وَالآيَاتُ فِي البَابِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
أي: وكثرتها تمنع من استيعابها، دفعًا للتطويل، وفيما ذكر كفاية لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
1408- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: بيان سعة رحمة الله بعباده، حيث يجزي على العمل القليل بالثواب الجزيل.
1409- وعنه رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلا إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». رواه مسلم.
قوله: «سبحان الله». التسبيح: التنزيه لله عما لا يليق به. والحمد: الثناء عليه بنعوت الكمال. ولا إله إلا الله: أي لا معبود بحق إلا الله. والتكبير: التعظيم.
قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
1410- وعنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ».
وقال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: بيان فضل الذكر، وسعة رحمة الله تعالى ومغفرته.
1411- وعن أَبي أيوب الأنصاريِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ. كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في الحديث: دليل على أن الكافر الأصلي من ولد إسماعيل يرق كالكافر الأصلي من غيرهم، وخص ولد إسماعيل عليه السلام لشرفهم.
1412- وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ». رواه مسلم.
الواو: واو الحال، أي: أسبحه متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي، فكانت سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله، لاشتمالها على التقديس والتنزيه، والثناء بأنواع الجميل.
1413- وعن أَبي مالك الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ- أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ». رواه مسلم.
قوله: «الطُّهور شطر الإيمان»، أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة، وباطنة، فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء».
قوله: «والحمد لله تملأ الميزان»، أي: عِظَم أجرها يملأ ميزان الحامد لله تعالى.
قوله: «وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض»، أي: لو كان جسمين لملآ ما ذكر، ففيه عظم فضلهما وعلوِّ مقامهما.
1414- وعن سعد بن أَبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ أعْرَابيٌّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أقُولُهُ. قَالَ: «قُلْ: لاَ إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالِمينَ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ» قَالَ: فهؤُلاءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟ قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي». رواه مسلم.
الذكر ثناء ودعاء، كما في سورة الفاتحة؛ ولهذا قال الأعرابي للجمل الأولى: فهؤلاء لربي فما لي؟ أي: فأي شيء أدعو به مما يعود لي بنفعٍ ديني أو دنيوي، فأمره أن يطلب من الله المغفرة، والرحمة، والهداية، والرزق.
1415- وعن ثَوبانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ» قِيلَ لِلأوْزَاعِيِّ- وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تقول: أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله. رواه مسلم.
في هذا الحديث: مشروعية الاستغفار بعد الصلاة.
وفيه: إيماء إلى أنه ينبغي عدم النظر لما يأتي به العبد من الطاعة، فذلك مزيد للقول، والتكرار للمبالغة في رؤية النقص فيما جاء به من العبادة.
1416- وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». متفقٌ عَلَيْهِ.
الجدُّ: الحظ والغنى، أي: لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه، إنما ينفعه عنايتك به، وما قدمه من صالح العمل.
قال الله تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
1417- وعن عبدِ الله بن الزُّبَيْرِ رضي الله تَعَالَى عنهما أنَّه كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ، حِيْنَ يُسَلِّمُ: «لاَ إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، لاَ إلهَ إِلا اللهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إِلا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ». قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ. رواه مسلم.
في هذا الحديث: مشروعية التهليل خلف الصلاة المكتوبة.
1418- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ، يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ. فَقَالَ: «ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُون أَحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلا منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله، قَالَ: «تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ». قَالَ أَبُو صالح الراوي عن أَبي هريرة، لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِنَّ قَالَ: يقول: سُبْحَان اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ واللهُ أكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنهُنَّ كُلُّهُنَّ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وزاد مسلمٌ في روايته: فَرَجَعَ فُقَراءُ المُهَاجِرينَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أهْلُ الأمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».
«الدُّثُورُ» جمع دَثْر- بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة- وَهُوَ: المال الكثير.
في هذا االحديث: فضيلة الذكر.
وفيه: أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل، ولا يجيب بنفس الفاضل لئلا يقع الخلاف.
وفيه: التوسعة في الغبطة، والفرق بينها وبين الحسد المذموم.
وفيه: المسابقة إلى الأعمال المحصِّلة للدرجات العالية، لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم.
وفيه: أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق.
وفيه: أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي.
1419- وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَبَّحَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ الله ثَلاثًا وَثَلاَثِينَ، وقال تَمَامَ المِائَةِ: لا إلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». رواه مسلم.
الحديث: دليل على استحباب هذا الذكر عقب الصلوات المكتوبة.
1420- وعن كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُعَقِّباتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ- أَوْ فَاعِلُهُنَّ- دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثٌ وَثَلاثونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاثٌ وثَلاَثونَ تَحْمِيدَةً، وَأرْبَعٌ وَثَلاَثونَ تَكْبِيرَةً». رواه مسلم.
سميت معقبات؛ لأنها تفعل مرة بعد مرة.
1421- وعن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَواتِ بِهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ». رواه البخاري.
الجُبْن: ضعف القلب، وهو ضد الشجاعة، والبخل: ضد السخاء.
وأرذل العمر: الهرم. وعن عليّ رضي الله عنه، أنه خمس وسبعون سنة، ففيه ضعف القوى، وسوء الحفظ، وقلة العلم.
وفتنة الدنيا: الابتلاء بالغنى، أو الفقر المشغل عن طاعة الله تعالى.
وفتنة القبر: سؤال منكر ونكير، فيثبت الله المؤمن، ويضل المنافق.
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
1422- وعن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ» فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
في هذا الحديث: شرف لمعاذ رضي الله عنه، وفي الدعاء بهذه الألفاظ القليلة مطالب الدنيا والآخرة.
1423- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أرْبَعٍ، يقول: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: مشروعية الاستعاذة بالله من هذه الأربع لعظم الأمر فيها وشدة البلاء في وقوعها.
1424- وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إلهَ إِلا أَنْتَ». رواه مسلم.
قال البيهقي: قدَّم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخَّر من شاء عن مراتبهم وثبطهم بمحنها.
في هذا الحديث: خضوع النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وأداؤه لحق مقام العبودية، وحثٌ للأمة على الاستغفار.
1425- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: استحباب هذا الذكر في حال الركوع والسجود.
قال النووي: ومعنى «وبحمدك»، أي: وبتوفيقك لي، وهدايتك، وفضلك عليَّ، سبحتك لا بحولي وقوتي.
ففيه: شكر الله تعالى على هذه النعمة، والاعتراف بها، والتفويض إليه تعالى، وأن كل الأفضال له.
1426- وعنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ». رواه مسلم.
قال في القاموس: وسبوح قدوس، ويفتحان، من صفاته تعالى؛ لأنه يُسَبَّحُ وَيُقَدَّسُ.
وقال في «النِّهاية»: يرويان بالضم والفتح، والفتح أقيس، والضم أكثر استعمالًا، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بهما التنزيه.
قال الشارح: وهما اسمان وضعا للمبالغة في النزاهة والطهارة عن كل ما لا يليق بجلاله تعالى، وكبريائه، وعظمته، وأفضاله، أي: ركعوي وسجودي لمن هو البالغ في النزاهة والطهارة، المبلغَ الأعلى.
1427- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ- عز وجل، وَأمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ». رواه مسلم.
فيه: استحباب تعظيم الله في الركوع، وكثرة الدعاء في السجود.
1428- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». رواه مسلم.
فيه: استحباب كثرة الدعاء في السجود، ولأنه من مواطن الإجابة.
1429- وعنه: أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ في سجودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ». رواه مسلم.
فيه: التضرع إلى الله تعالى، وطلبه المغفرة من جميع الذنوب، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 1- 3].
1430- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: افْتَقَدْتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَتَحَسَّسْتُ، فإذا هُوَ راكِعٌ- أَوْ سَاجِدٌ- يقولُ: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إلهَ إِلاَّ أنتَ» وفي روايةٍ: فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ في المَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». رواه مسلم.
قوله: «لا أحصي ثناءً عليك»، أي: لا أطيق أن أحصره.
قال الله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
«أنت كما أثنيت على نفسك»، بقولك: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: 36، 37].
وغيرها من الآيات والأحاديث القدسية.
1431- وعن سعد بن أَبي وقاصٍ رضي الله عنه قَالَ: كنا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أيعجزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كلِّ يومٍ ألْفَ حَسَنَةٍ!» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ ألفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ ألْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألفُ خَطِيئَةٍ». رواه مسلم.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: كذا هُوَ في كتاب مسلم: «أَوْ يُحَطُّ» قَالَ البَرْقاني: ورواه شُعْبَةُ وأبو عَوَانَة، وَيَحْيَى القَطَّانُ، عن موسى الَّذِي رواه مسلم من جهتِهِ فقالوا: «ويحط» بغير ألِفٍ.
في هذا الحديث: سعة فضل الله ورحمته، قال الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
1432- وعن أَبي ذر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسْبيحَةٍ صَدَقةٌ، وَكُلُّ تَحْميدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيجْزئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم.
السُّلامى: هي المفاصل والأعضاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خلق الله ابن آدم على ستين وثلاثِمائةِ مفصل».
قوله: «ويجزي من ذلك ركعتان يركعها من الضحى».
قال ابن دقيق العيد: أي: يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان، فإن الصلاة عملٌ لجميع أعضاء الجسد.
1433- وعن أم المؤمنين جُويْريَةَ بنت الحارِث رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِيْنَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ في مَسْجِدِها، ثُمَّ رَجَعَ بَعدَ أنْ أضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فقالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الحالِ الَّتي فَارقَتُكِ عَلَيْهَا؟» قالت: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ». رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: «سُبْحانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
وفي رواية الترمذي: «ألا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهَا؟ سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرشِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرشِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
فيه: شرف هذا الذكر بأي صيغة من صيغه المذكورة.
وفيه: دليل على فضل هذه الكلمات الجوامع، والأحسن الإتيان بجميع ما ذكر في هذه الروايات.
1434- وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ». رواه البخاري.
ورواه مسلم فَقَالَ: «مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ».
قال العيني: وجه الشبه بين الذكر والحي: الاعتداد والنفع والضرر ونحوهما، وبين تارك الذكر والميت: التعطيل في الظاهر، والبطلان في الباطن.
1435- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ». متفق عَلَيْهِ.
الحديث: دليل على فضل الذكر سرًا وعلانية، وأن الله مع ذاكره برحمته، ولطفه، وإعانته، والرضا بحاله، وهذه معية خاصة.
كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128].
1436- وعنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ» قالوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ؟ يَا رسولَ الله قال: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكِرَاتِ». رواه مسلم.
وَرُوي: «المُفَرَدُونَ» بتشديد الراءِ وتخفيفها والمشهُورُ الَّذِي قَالَهُ الجمهُورُ: التَّشْديدُ.
قال في القاموس: وَفَرَدَ تفريدًا، تفقّه واعتزل الناس، وخلا لمراعاة الأمر والنهي. ومنه: «طوبى للمفرِّدين، وسبق المفرِّدون». وهم المهتزون بذكر الله تعالى، وهم أيضًا الذين هلكت لذَّاتهم وبقوا هُم.
وقال في النهاية: سبق المفرِّدون. وفي رواية: «طوبى للمفرِّدين». قيل: وما المفرِّدون؟ قال: «الذين اهتزوا في ذكر الله تعالى».
يقال: فرد برأيه، وأفرد وفرَّد، واستفرد، بمعنى: انفرد به.
وقيل: فرد الرجل إذا تفقه واعتزل الناس، وخلا بمراعاة الأمر والنهي.
وقيل: هم الهرمى الذين هلك أقرانهم من الناس، وبقوا يذكرون الله.
قال الشارح: واللفظان وإنْ اختلفا في الصيغة، فإن كل واحد منهما في المعنى قريب من الثاني إذ المراد المستخلصون لعبادة الله المتخلون لذكره عن الناس، المعتزلون فيه، المتبتلون إليه.
1437- وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «أفْضَلُ الذِّكْرِ: لاَ إلهَ إِلا اللهُ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
لا إله إلا الله، هي أفضل ما قاله النبيون، وهي كلمة التوحيد والإخلاص. وقيل: هي اسم الله الأعظم.
1438- وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رسولَ الله، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ قَالَ: «لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِنْ ذِكْرِ الله تعالى». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
رطوبة اللسان بالذكر، عبارة عن مداومته، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190، 191].
قال الحسن: أحب عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكرًا، وأتقاهم قلبًا.
وقيل لبعض الصالحين: ألا تستوحش وحدك؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: «أنا جليس من ذكرني».
1439- وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «من قَالَ: سُبْحان الله وبِحمدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
يشهد لهذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإِسراء عن إبراهيم عليه السلام: «إن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
1440- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقِيْتُ إبْرَاهِيمَ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الماءِ، وأنَّهَا قِيعَانٌ وأنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، وَلا إلهَ إِلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
تراب الجنة المسك والزعفران، وإذا طابت التربة وعذب الماء كان الغرس أطيب وأفضل.
والقيعان: جمع قاع، وهو المكان الواسع المستوي من الأرض.
قال العاقولي: معنى تقرير الكلام أنَّ الجنة ذات قيعان، وذات أشجار، فما كان قيعانًا فغراسه سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
1441- وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟» قَالَوا: بَلَى، قَالَ: «ذِكر الله تَعَالَى». رواه الترمذي، قَالَ الحاكم أَبُو عبد الله: «إسناده صحيح».
هذا الحديث: يدل على أنّ الذكر أفضل من الصدقة والجهاد.
1442- وعن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه أنَّه دخل مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرأةٍ وَبَيْنَ يَدَيْها نَوىً- أَوْ حَصَىً- تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أَلا أُخْبِرُكِ بما هُوَ أيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا- أَوْ أفْضَلُ-» فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّمَاءِ، وسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في الأرْضِ، وسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وسُبحَانَ الله عَدَدَ مَا هو خَالِقٌ، واللهُ أكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، والحَمْدُ للهِ مِثْلَ ذَلِكَ؛ وَلا إلَهَ إِلا اللهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ مِثْلَ ذَلِكَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فيه: دليل على أنَّ التسبيح بغير الأصابع جائز. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن ذلك، لكنه دلّها على ما هو أفضل منه.
1443- وعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟» فقلت: بلى يَا رسولَ الله قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ». متفق عَلَيْهِ.
قال النَّووي: المعنى أنَّ قائلها يحصِّل ثوابًا نفيسًا يُدَّخر له في الجنة، وهي كلمة استسلام، وتفويض. وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، ولا له حيلة في دفع شر، ولا في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى.
قوله: «لا حول ولا قوَّة إلا بالله»، قال الشارح: أي، لا تحويل للعبد عن معصية الله، ولا قوَّة له على طاعة الله، إلا بتوفيق الله.